مسرح الطفل من النص إلى العرض دراسة تطبيقية في تقنيات التأليف والإخراج مسرحية "صياد العفاريت" نموذجًا

             يستعرض البحث عناصر النص المسرحي الذي يعد من أهم أشكال الإبداع الفكري الذي تتضافر فيه عناصر مختلفة في كل واحد يقوم على مبدأ الوحدة العضوية التي تُعنى بالانسجام بين عناصر هذا النص التي تخرج من بوتقة كبيرة تمثل مجموع عناصر النص وهي: التيمة، أو الموضوع الذي يناقشه النص المسرحي، وينبثق من هذا الموضوع العام فكرة محددة -أو فكرة رئيسة وأفكار فرعية- يريد المؤلف إيصالها لجمهور التلقي من القراء -أو مشاهدي العرض المسرحي الذي يجسد النص على اعتبار أن النص المسرحي هو إبداع لا يكتمل إلا بالعرض على خشبة المسرح-  ولكي يعبر النص عن هذه الأفكار، لا بد أن تحملها شخصيات درامية تتصارع إراداتها من أجل التأكيد على هذه الفكرة والانتصار لمقولتها في النهاية، وأحيانًا تتباين أسباب ونتائج هذا الانتصار مع اختلاف مستويات التلقي الاجتماعية أو الثقافية، وفي سبيلها للتعبير عن الأفكار، تتحاور شخصيات المسرحية بلغة تتأسس على قاموس لغوي يتضمن مفردات تتناسب مع بيئة كل شخصية، وتتبدل هذه المفردات بتغير مراكز السلطة الخاصة بكل  شخصية، كما أن هذه المفردات تتغير بتغير أهداف الشخصيات، والحوار المسرحي الذي يدور بين الشخصيات لا بد أن يقوم على الاختزال، وبالتالي يجب حذف أي جمل أو عبارات حوارية لا تسمح للحوار بأداء وظيفته التي تتلخص في دفع أحداث النص للأمام، والتأكيد على الأفكار التي يطرحها، ويكتمل النص المسرحي بالأحداث المتتالية التي تكون حبكة النص، وتصاغ في قالب فني يمثل البناء الدرامي الذي يهتم بطريقة ترتيب الأحداث داخل الحبكة في صورة خطوط درامية، وتتمثل الرؤية الإخراجية للعرض المسرحي في مجموعة من الأفكار التي تمر على ذهن المخرج، يختار منها ما يراه ملائمًا ومتسقًا مع أفكاره التي يريد أن يعبر عنها، فيقف عند بعضها يربطها بمجموعة من التقنيات التي تهدف إلى توظيف عناصر العرض المسرحي من أجل التأكيد على هذه الأفكار، من هنا، فإن المخرج في المستوى التخطيطي يسعى لطرح مجموعة كبيرة جدًا من الأفكار ويحولها إلى أفعال درامية قابلة للعرض على خشبة المسرح في المرحلة التنفيذية، هذه الأفعال الدرامية هي أفعال محددة بعينها اختارها المخرج من بين مجموعة أكبر من الأفعال التي كانت موضع احتمال، ومن المعروف أن المخرج يؤمن بالأفكار، ثم يسعى للتعبير عنها عن طريق توظيف عناصر العرض، وهنا تأتي إشكالية مهمة جدًا تتعلق بالمنطلق الذي يبدأ منه المخرج تحويل أفكاره إلى واقع حي على خشبة المسرح، لأنه سيكون عليه أن يسلك أحد طريقين: إما أن ينطلق من المضمون، أو أن ينطلق من الشكل، والانطلاق من المضمون يضمن الحفاظ على الأفكار التي يريد المخرج أن يرسلها للمتلقي من خلال عرضه، فيسعى لتوظيف الشكل لخدمة هذا المضمون، وهنا سوف تتحدد عناصر الشكل وفق ما يخدم هذا المضمون بالذات، فتتأكد عملية إيصال أفكار العرض التي قد تتم في قوالب جامدة تعلي من قيمة المضمون على حساب الشكل، وهو ما يهدد عملية التواصل بين العرض والجمهور حال كان الشكل جامدًا لا يفي بوعود جمالية تثير خيال المتلقي، أما الانطلاق من الشكل فإنه، وإن كان يساعد المخرج على أن يحقق رؤية بصرية عالية جدًا، وحالة إيقاعية متفردة؛ إلا أن عدم وجود وعي كافٍ لدى المخرج يمكن أن يحول العرض المسرحي إلى إطار شكلاني أجوف لا يخدم الأفكار التي يسعى المخرج لإبرازها من خلال العرض، واختيار أحد السبيلين يتوقف على الكثير من المعايير أهمها: طبيعة الفكرة، ومرونتها في ملاءمة قوالب وأشكال فنية مختلفة، وثانيها، هو قدر الوعي والخبرة التراكمية التي يمتلكها المخرج، ذلك لأن هذه الخبرة وهذا الوعي هما ما يمكنان المخرج من إدخال عناصر شكل مختلفة تحقق التنوع والإيقاع الجيد بالصورة التي يتم توظيفها بشكل حتمي دون أن تبدو هذه العناصر الشكلية وكأنها أقحمت على العرض فتمثل عبئا على الأفكار التي يطرحها العرض.